Ecrits

   دفاعا عن قطاع التنشيط التربوي الاجتماعي والثقافي
   

   في خضم الثورة العارمة التي تعيشها بلادنا منذ بداية جانفي 2011 ، وتزامنا مع حملات الدرس والمراجعة التي شهدتها جل القطاعات الحيوية في البلاد  ، فإن المنتمين إلى ميدان النشيط التربوي والاجتماعي يحرصون هم أيضا على المشاركة بدورهم في جهود النقد وإعادة البناء ، وذلك من اجل اجتثاث مظاهر الاستغلال والفساد الذي كان ساريا ، ومن اجل طرح الاقتراحات والحلول الكفيلة بإنجاح أهداف الثورة الشاملة التي تعرفها بلادنا حاليا ..

    وهكذا ، فلقد تعددت منابر النقاش والتفكير، بحيث شملت جل ولايات الجمهورية.. كما ظهرت عديد المدونات وكذلك المقالات على صفحات الفايسبوك ، هذا بالإضافة طبعا إلى  البيانات النقابية في مختلف جهات البلاد ..

    وفي ما يلي جملة من الملاحظات الأولية التي أود التعرض إليها بالنقد ، وذلك حرصا مني على المساهمة بدوري في هذا الجهد الوطني الذي ينبغي إن نشترك فيه جميعا، نفكر ، ونصغي ، ونتحاور ، ونحرص خاصة على ضمان حق بعضنا البعض في التفكير وفي التعبير ..

الملاحظة الأولى : طغيان مظاهر الإحساس بالذنب ، والمبالغة في جلد الذات ...

  وهي ملاحظة يمكن أن نسجلها على مستوى أغلب كتابات الزملاء المهتمين بقطاع التنشيط التربوي.. من ذلك مثلا :   

·       أن الثورة قد أنجزت دون مشاركتنا ، وأننا  كنا خارج الموضوع تماما.. ولم نواكب ما حدث في البلاد..

·       أو أن مؤسساتنا "تعيش حالة احتضار" وذلك منذ أن تم الاستيلاء على مدرسة بئر الباي وتحويلها إلى معهد عالي للتنشيط الشبابي والثقافي ..

·       كما أن دور الشباب ومنذ  بعثها للوجود  ، أي منذ  عقود ، لم تكن سوى محارات فارغة ..

·       او أن قطاعنا التربوي والاجتماعي بقي منذ انبعاثه رهين التكلس والاحتواء والتوظيف السياسي الرخيص. الخ ...

   وبقطع النظر عن مدى صحة أو دقة هذه الأحكام ، فإن الواضح أنها لن تخدم القطاع ، وبأنها لن تساهم إلا في مزيد تشويه سمعته ، و في تكثيف حجب الضبابية التي تحيط به .. ذلك ان قطاعنا ـ شأنه في ذلك شأن بقية القطاعات الحكومية ـ قد عانى بالفعل من ممارسات الاحتواء او التهميش ، وهو أمر كان لا بدّ منه في ظل  تداخل الجهازين الإداري والسياسي ، وعدم الفصل بين الحزب و الدولة .. لكن ذلك لا يمكن ان يحجب عنا نضالات العديد من الزملاء والزميلات  ، وحرصهم على ضمان استقلالية القطاع وحياده.. كما انه لا ينبغي أن يحجب عنا حجم مشاركة إطاراتنا في بناء سياق الثورة .. وأقول سياق processus  لأن الثورة لم تحصل فجأة وبدون تراكمات سابقة.. صحيح أن الشهيد البوعزيزي أشعلها ، ولكنها لم تكن لتشتعل لولا قابليتها واستعدادها للاشتعال ..

    ثم كيف لنا أن  ننكر أن العديد من إطارات الشباب والطفولة قد شاركوا فعلا في المسيرات التي شهدتها مختلف مناطق الجمهورية منذ تاريخ 17 ديسمبر 2010 ؟؟؟ كذلك فإن جل المنشطين بدور الشباب ( وخاصة المشرفين منهم على فضاءات الإعلامية ) كانوا يعلمون ويعرفون جيدا محتوى ما يتبادله الشبان عبر صفحات الفايسبوك من صور ومقاطع فيديو ومقالات .. هذا بالإضافة إلى تستّــرهم على معاني وكلمات أغاني الراب التي كان العديد من الشبان يردّدونها أو حتى ينتجونها في دور الشباب... فماذا نريد أكثر من هذا ؟ هل نطلب من المنشطين أن يقودوا المسيرات ، أم أن يمارسوا التحريض والدعاية السياسية المباشرة.. ؟ إن من يفعل ذلك لا يمكن أن يكون منشطا ، ربما يكون داعية أو مناضلا متحزبا ، لكنه لا يمكن أن يكون منشطا ، لأن المنشط لا يوجّه.. ولا يفرض .. ولا يجنّد .. أما من يزعم أن مؤسسات الشباب والطفولة " قد تكون ساهمت  في اصطياد  و توظيف  بعض  الشباب العفوي أو المتسلق المتحمس للإيقاع به  إما في حبائل خدمة الدولة المشغولة  بالضبط  الأمني ، و إما  إلى شرك  العمل الحزبي  المعطوب " فإنه مدعو إلى فضح من يعلم أنهم قد تورطوا فعلا في ممارسة الدعاية السياسية ، وذلك حتى تتم محاسبتهم ، ليس فقط من اجل  إيقاعهم بالشباب في حبائل حزب التجمع ، ولكن وأيضا لأنهم لم يلتزموا بمهامهم كمنشطين ..

الملاحظة الثانية :  التأكيد على أن دور الشباب كانت موظفة سياسيا ...

   وهو تأكيد يكاد يعني أن المؤسسات الأخرى لم تكن موظفة سياسيا .. فكأن برامج التعليم ، وجمعيات الكرة ..والمعوقين..، والفلاحة .. وغيرها ، لم تكن معنية بتمجيد العهد النوفمبري ، أو أن هذه الجهات لا تحتفل بذكرى التغيير .. فهل كان مطلوبا من مدير دار الشباب ان يرفض المشاركة أو أن يدّعي الحياد؟ صحيح أن برامج دور الشباب كانت تخضع إلى جملة من التوجهات الرسمية الصادرة عن الإدارة المركزية ، كما أنها لم تكن تهتم كثيرا بخصائص الواقع المحلي ،  لكنها مع ذلك لم تكن مسيسة أكثر من غيرها ، كما أنها لم تكن تتضمن دعاية مباشرة للتجمع  أو دعوة إلى الانخراط فيه   ..فلماذا إذن كل هذه القسوة مع الذات ؟ ولماذا هذا التجني على هذا المكسب الهام الذي حصل عليه الشباب بالفرض والاستحقاق ، وليس بالمنة أو الهبة من قبل الدولة  المستبدة .. فالنظام السابق ، وبأجهزته البوليسية العتيدة ، وبزبانيته التجمعيين ، كان يعلم جيدا أن قطاع  دور الشباب لا يدين له بالولاء التام !! وهو بدون شك قد جرب ذلك من خلال نتائج الاستشارات الشبابية التي كان يضطر دائما الى تشويهها وتزييفها لان إطارات الشباب قد نقلوا تدخلات الشبان بكل أمانة وحرفية .. وكما أن النظام لم يكن يبرمج هذه الاستشارات احتراما لرأي الشباب وتقديرا له ، أو رغبة في الإصغاء إليه وإشراكه ... ولكن بدافع الخوف والرعب من هذا الغول المرعب .. ورغم أن النظام السابق لم يكن ليثق تماما في منشطي دور الشباب وفي المؤسسات .. فإنه كان يجد نفسه مجبورا على التعامل معهم وانتدابهم ، لأنهم كانوا بالفعل محترفين في التنشيط ، وقادرين على التواصل مع الشبان والتفاعل معهم .. فهو لا يفعل ذلك اختيارا ولكن اضطرارا .. أما دليلي على ذلك فهو حقيقة التهميش الذي عانينا منه الكثير .. فلو كان القطاع بالفعل في خدمة السياسة او التجمع ، ولو كان يقدم نتائج ترضي الممولين له والساهرين عليه ، لنال كل الحظوة والدعم ... ولكانت ميزانيته تساوي أو تقارب ما يرصد لمنظمة الشباب الدستوري أو الطلبة التجمعيين . أو حتى جمعيات الكرة... فالدولة إذن كانت مجبرة وتحت الضغط ، بحيث توفر الحد الأدنى المطلوب لهذا الشباب المرعب والعاطل عن العمل .. توفر له دار الشباب التي يطالب بها عسى أن تنسيه مطالبه الأساسية ، أو تخفف عنه حجم الفراغ والتهميش الذي  يعانيه .. لكن الشباب في دار الشباب لم يهتم بالأنشطة المقترحة لأنها لم تكن تلبي حاجاته ، بل انه وتماما مثل ما يفعل جمهور الفيراج الذي كان يدير ظهره تماما للمقابلة ، وينهمك في ترديد الأغاني والشعارات ، فإنه كان يبحر ـ أو يحرق ـ عبر الانترنت والفايسبوك ويحضّر للثورة العارمة ولقلب الطرح .. فمن منكم يا إطارات دور الشباب يمكن أن يقول أنه لم يكن يعرف محتوى ما يرسله الشبان لبعضهم البعض منذ نهاية ديسمبر2010 ،  والى غاية 14 جانفي 2011 ..إن الذي لم يكن يعرف ، قد فاتته فرصة لا تعوض لإرضاء النظام السابق .. إما من كانوا يعلمون، فهم الذين قد ساهموا فعلا في الثورة .. وكانوا في مستوى ثقة الشباب فيهم .. ولذلك فإنني لم أسمع أحدا  منهم يتّهم إطارات الشباب أو يخوّنهم أو يقول لهم ديقاج .. فلو كانوا بالفعل أبواق دعاية للتجمع ، فلماذا لم تشملهم دعوات التطهير والمحاسبة ..   

الملاحظة الثالثة :  التوجس والحيطة من مكونات المجتمع المدني ..

  وهو توجس نلاحظه من خلال الدعوات الواردة في عديد البيانات النقابية من أجل حل جمعيات أحباء دور الشباب ونوادي الأطفال .. أو من خلال الدعوة إلى مراجعة اتفاقيات الشراكة المشبوهة التي تربطنا ببعض مكونات المجتمع المدني ، وذلك بحجة أنها تسعى لاحتواء القطاع أو الركوب عليه ..

    ولآن المجال لا يسمح بالتوسع في هذا الطرح ، فإنني سوف اكتفي بالتأكيد على أن من أهمّ واجبات المنشط هو السعي إلى تركيز مقومات المجتمع المدني ، ودعم العمل الجمعياتي .. فالمنشط مدعو إلى تشجيع الشبان على التنظم من خلال بعث الجمعيات المختلفة ، ومن خلال تعويدهم على ضمان استقلاليتهم والبحث عن موارد أخرى غير موارد الدولة ... أما بالنسبة إلى الجمعيات الموجودة ، فالمفروض ان نعمل على ترميمها وإعادة تنشيطها .. لا أن نطالب بحلها ، أو ربما بتصفية أعضائها !..  

  وفي خصوص الشراكة ، فهي خيار المنشط وهدفه الأسمى .. يحرص عليها ويسعى الى تحقيقها قولا وفعلا ، لأنه كلما زاد عدد المشتركين في تنفيذ برنامج معين ، وكلما كان ذلك دليلا على قدرة المنشط على التحفيز والإقناع ..

  بقي أن نشير ختاما إلى انه لا يمكن أن نقبل بوجود تنافس أو صراع بين مؤسسة التنشيط وبين الجمعيات .. فالمنشط يتعامل مع كل الشبان دون استثناء ، وهو لا ينسب النجاح لنفسه ولكن للمجموعة كلها .. كذلك فإنه يتعامل أيضا مع كل الجمعيات ،  ولا يهتم بأن ينسب النجاح له او لغيره .. فهو يعرف جيدا من  كان السبب في حصوله .. صحيح أننا كنا نتنافس ونتصارع مع الشباب الدستوري ومع طلبة التجمع. وصحيح أننا كنا نتوجس منها ريبة ، وخيفة .. أما وقد ولى عهدها بلا رجعة ، فلا مجال إذن إلا للمزيد من الشراكة ، وللمزيد من التواصل ومن العمل المشترك مع كل الأطراف دون استثناء أو إقصاء..